الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ***
وَأَمَّا بَيَانُ ما يَظْهَرُ بِهِ حُكْمُهُ فَالْمُظْهِرُ له شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا الْإِقْرَارُ وَالثَّانِي الْبَيِّنَةُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِقْرَارَ من الْمَوْلَى بِإِعْتَاقِ عَبْدِهِ يَظْهَرُ بِهِ الْعِتْقُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُقِرُّ على نَفْسِهِ كَاذِبًا فَيُصَدَّقُ في إقْرَارِهِ على نَفْسِهِ وَلَا يَقْبَلُ على غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ شَهَادَةً على الْغَيْرِ وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَلَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عبد غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ عَتَقَ عليه لِأَنَّ إقْرَارَهُ على نَفْسِهِ مَقْبُولٌ وَلَا يُقْبَلُ على غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ شَهَادَةً على الْغَيْرِ وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فإذا اشْتَرَاهُ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ من تَقْيِيدِهِ في حَقِّهِ فَيُعْتَقُ عليه وَأَمَّا الْبَيِّنَةُ فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فيها أَنَّهُ لَا خِلَافَ في أنها تُقْبَلُ على عِتْقِ الْمَمْلُوكِ إذَا ادَّعَى الْمَمْلُوكُ الْعِتْقَ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى سَوَاءٌ كان الْمَمْلُوكُ عَبْدًا أو جَارِيَةً فَأَمَّا إذَا لم يَدَّعِ وَأَنْكَرَ الْعِتْقَ وَالْمَوْلَى أَيْضًا مُنْكِرٌ فَهَلْ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ على عِتْقِهِ من غَيْرِ دَعْوَاهُ فَإِنْ كان الْمَمْلُوكُ جَارِيَةً تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كان عَبْدًا لَا تُقْبَلُ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ تُقْبَلُ من أَصْحَابِنَا من حَمَلَ الْمَسْأَلَةَ على أَنَّ عِتْقَ الْعَبْدِ حَقُّ الْعَبْدِ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَالشَّهَادَةُ على حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا تُقْبَلُ من غَيْرِ دَعَاوِيهِمْ كَالْأَمْوَالِ وَسَائِرِ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَعِنْدَهُمَا هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالشَّهَادَةُ على حُقُوقِ اللَّهِ عز وجل مَقْبُولَةٌ من غَيْرِ دَعْوَى أَحَدٍ كَالشَّهَادَةِ على إعْتَاقِ الْإِنْسَانِ أَمَتَهُ وَتَطْلِيقِهِ امْرَأَتَهُ وَالشَّهَادَةِ على أَسْباب الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ عز وجل من الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالسُّكْرِ إلَّا السَّرِقَةَ فإنه شُرِطَ فيها الدَّعْوَى لتحقق [لتحقيق] السَّبَبِ إذْ لَا يَظْهَرُ كَوْنُ الْفِعْلِ سَرِقَةً شَرْعًا بِدُونِ الدَّعْوَى لِمَا نَذْكُرُ في كتاب السَّرِقَةِ فَنَتَكَلَّمُ في الْمَسْأَلَةِ بِنَاءً وَابْتِدَاءً. أَمَّا الْبِنَاءُ فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ في الْإِعْتَاقِ تَحْرِيمَ الِاسْتِرْقَاقِ وَحُرْمَةُ الِاسْتِرْقَاقِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثَلَاثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ وَمَنْ كنت خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ يوم الْقِيَامَةِ وَذَكَرَ من جُمْلَتِهَا رَجُلًا بَاعَ حُرًّا وَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَكَذَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَهْلِيَّةُ وُجُوبِ حُقُوقِ اللَّهِ عز وجل من الْكَفَّارَاتِ وَالزَّكَوَاتِ وَالْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ فَثَبَتَ أَنَّ الْعِتْقَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُشْتَرَطُ فيه الدَّعْوَى لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ الْقَائِمَةِ عليه كما في عِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْمَرْأَةِ وَكَمَا في الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ وَكَذَا الْأَحْكَامُ تَدُلُّ على أَنَّ الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فإن الشَّهَادَةَ على حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ لِلْعَبْدِ تُقْبَلُ من غَيْرِ دَعْوَاهُ. وَكَذَا الشَّهَادَةُ على نَسَبِ صَبِيٍّ صَغِيرٍ من رَجُلٍ وَأَنْكَرَ الرَّجُلُ وَكَذَا الشَّهَادَةُ على الْمَوْلَى بِاسْتِيلَادِ جَارِيَتِهِ وَهُمَا مُنْكِرَانِ وَكَذَا التَّنَاقُضُ في الْعِتْقِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى بِأَنْ قال عَبْدٌ لِإِنْسَانٍ اشتراني [اشترني] فَإِنِّي عبد فُلَانٍ فَاشْتَرَاهُ ثُمَّ ادَّعَى الْعَبْدُ حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَوْ كانت الدَّعْوَى فيه شَرْطًا لَكَانَ التَّنَاقُضُ مَانِعًا من صِحَّةِ الدَّعْوَى كما في سَائِرِ الدعاوي وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ وَالْعِتْقُ في عُرْفِ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ اسْمٌ لِقُوَّةٍ حُكْمِيَّةٍ تَثْبُتُ لِلْعَبْدِ تَنْدَفِعُ بها يَدُ الاستيلاء [الاستيلاد] وَالتَّمَلُّكِ عنه والقوة [والحرية] حَقُّهُ إذْ هو الْمُنْتَفِعُ بها مَقْصُودًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ هو الذي يَتَضَرَّرُ بِانْتِفَائِهَا مَقْصُودًا بِالِاسْتِرْقَاقِ وَكَذَا التَّحْرِيرُ إثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ وَالْحُرِّيَّةُ في مُتَعَارَفِ الشَّرْعِ وَاللُّغَةُ تنبىء عن خُلُوصِ نَفْسِ الْعَبْدِ له عن الرِّقِّ وَالْمِلْكِ وَذَلِكَ حَقُّهُ لِأَنَّهُ هو الْمُنْتَفِعُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مَقْصُودًا وَحَقُّ الْإِنْسَانِ ما يَنْتَفِعُ هو بِهِ دُونَ غَيْرِهِ فإذا ثَبَتَ أَنَّ الْعِتْقَ حَقُّ الْعَبْدِ فَالشَّهَادَةُ الْقَائِمَةُ على عِتْقِ الْعَبْدِ لَا تُقْبَلُ من غَيْرِ دَعْوَاهُ كَسَائِرِ الشَّهَادَاتِ الْقَائِمَةِ على سَائِرِ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ إذَا كان حَقًّا لِلْعَبْدِ كان الْعَبْدُ مَشْهُودًا له فإذا أَنْكَرَ فَقَدْ كَذَّبَ شُهُودَهُ وَالْمَشْهُودُ له إذَا أكذب [كذب] شُهُودَهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتَهُمْ له وَالثَّانِي أَنَّ إنْكَارَ الْمَشْهُودِ له حَقُّهُ مع حَاجَتِهِ إلَى اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ يُوجِبُ تُهْمَةً في الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ لو كان ثَابِتًا لَتَبَادَرَ إلَى الدَّعْوَى وَلَا شَهَادَةَ لِمُتَّهَمٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ في الْإِعْتَاقِ تَحْرِيمُ الِاسْتِرْقَاقِ فَنَقُولُ الْإِعْتَاقُ لَا ينبئ عن ذلك وَإِنَّمَا ينبئ عن إثْبَاتِ الْقُوَّةِ وَالْخُلُوصِ على ما بَيَّنَّا وَذَلِكَ حَقُّهُ ثُمَّ إذَا ثَبَتَ حَقُّهُ بِالْإِعْتَاقِ حُرِّمَ الِاسْتِرْقَاقُ لِمَا فيه من إبْطَالِ حَقِّهِ وَهَذَا لَا يَدُلُّ على أَنَّ حُرْمَةَ الِاسْتِرْقَاقِ حَقُّ اللَّهِ عز وجل. أَلَا تَرَى أَنَّ سَائِرَ الْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ لِلْعِبَادِ يَحْرُمُ إبْطَالُهَا وَلَا يَدُلُّ على أَنَّ حُرْمَةَ إبْطَالِهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى على أَنَّا إنْ سَلَّمْنَا أَنَّ في الْعِتْقِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ لِأَنَّهُ من حَيْثُ أنه حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عليه من غَيْرِ دَعْوَى الْعَبْدِ وَمِنْ حَيْثُ أنه حَقُّ الْعَبْدِ لَا تُقْبَلُ فَدَارَتْ الشَّهَادَةُ بين الْقَبُولِ وَعَدَمِ الْقَبُولِ فَلَا تُقْبَلُ مع الشَّكِّ وَلِهَذَا لم تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ على الْقَذْفِ من غَيْرِ دَعْوَى الْمَقْذُوفِ وَإِنْ كان حَدُّ الْقَذْفِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى من وَجْهٍ وَحَقَّ الْعَبْدِ من وَجْهٍ كَذَا هَهُنَا وَأَمَّا الْأَحْكَامُ فإما عِتْقُ الْأَمَةِ فَثَمَّةَ هَكَذَا فقول [نقول] أن تِلْكَ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ على الْعِتْقِ من حَيْثُ ذَاتُ الْعِتْقِ لِمَا قُلْنَا في الْعَبْدِ. وَإِنَّمَا تُقْبَلُ من حَيْثُ أن عِتْقَ الْأَمَةِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى على الْخُلُوصِ من حَيْثُ أنه سَبَبٌ لِتَحْرِيمِ الْفَرْجِ وَوَسِيلَةٌ إلَيْهِ وَالشَّيْءُ من حَيْثُ التَّسَبُّبُ وَالتَّوَسُّلِ غَيْرٌ وَمِنْ حَيْثُ الذَّاتُ غَيْرٌ كما قُلْنَا في كُفْرِ الْمُحَارَبِ أنه يُوجِبُ الْقَتْلَ من حَيْثُ أنه سَبَبٌ لِلْحِرَابِ لَا من حَيْثُ ذَاتُهُ بَلْ ذَاتُ الْكُفْرِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِأَنَّهُمَا غَيْرَان كَذَا هذا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَنْفصل أَحَدُهُمَا عن الْآخَرِ فإن الْعِتْقَ قد لَا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى تَحْرِيمِ الْفَرْجِ وهو عِتْقُ الْعَبْدِ ثُمَّ مَتَى قُبِلَتْ على الْعِتْقِ من حَيْثُ أنه سَبَبُ حُرْمَةِ الْفَرْجِ تُقْبَلُ من حَيْثُ ذَاتُ الْعِتْقِ وَكَذَا في طَلَاقِ الْمَرْأَةِ من غَيْرِ دَعْوَاهَا وَلَيْسَ لِلْعِتْقِ في مَحِلِّ النِّزَاعِ سَبَبِيَّةُ تَحْرِيمِ الْفَرْجِ فَلَوْ قُبِلَ لَقُبِلَ على ذَاتِ الْعِتْقِ وَلَا وَجْهَ إلَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا فإن [فإنه] قِيلَ ما ذَكَرْتُمْ من الْعُذْرِ في فصل الْأَمَةِ وَالطَّلَاقُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ على عِتْقِ الْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْأُخْتُ من الرَّضَاعَةِ مَقْبُولَةٌ من غَيْرِ دَعْوَى وَهَذِهِ الشَّهَادَةُ لَا تَتَضَمَّنُ حُرْمَةَ الفروج [الفرج] لِأَنَّ الْحُرْمَةَ كانت ثَابِتَةً قبل ذلك وَكَذَا الشَّهَادَةُ على الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَالطَّلَاقِ الْمُضَافِ إلَى الْمِلْكِ يُقْبَلُ من غَيْرِ دَعْوَى وَلَا تَتَضَمَّنُ هذه الشَّهَادَةُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ من أَصْحَابِنَا من يَمْنَعُ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ فقالو [فقالوا] لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِيهِمَا من غَيْرِ دَعْوَى لِأَنَّهَا لَا تَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ وَمِنْهُمْ من سَلَّمَ مَسْأَلَةَ الْمَجُوسِيَّةِ وَمَنَعَ مَسْأَلَةَ الْأُخْتِ من الرَّضَاعَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا من حَيْثُ أن وَطْءَ الْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى وَإِنَّمَا مَنَعَ من الِاسْتِيفَاءِ لِخُبْثِهَا كما يُمْنَعُ من الْوَطْءِ حَالَةَ الْحَيْضِ وَلِهَذَا لو وَطِئَهَا لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ وَبَعْدَ الْعِتْقِ لو وَطِئَهَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ فَالشَّهَادَةُ على عِتْقِهَا تَضَمَّنَتْ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ فَقُبِلَتْ من غَيْرِ دَعْوَى فَأَمَّا الْأُخْتُ من الرَّضَاعَةِ فَحَرَامُ الْوَطْءِ حَقِيقَةً حتى لو وَطِئَهَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ مع قِيَامِ مِلْكِ الْيَمِينِ وَالْمُعْتَبَرُ في الْباب تَحْرِيمُ الْفَرْجِ لَا الْأُنُوثَةُ وَالشَّهَادَةُ على النَّسَبِ قَطُّ لَا تُقْبَلُ من غَيْرِ دَعْوَى وَفِيمَا ذَكَرَ من الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ ما إذَا كان صَغِيرًا فَلَا تُقْبَلُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ ما لم يُنَصِّبْ الْقَاضِي خَصْمًا عن الصَّغِيرِ لِيَدَّعِيَ النَّسَبَ له بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ شَرْعًا نَظَرًا لِلصَّغِيرِ الْعَاجِزِ عن إحْيَاءِ حَقِّهِ بِنَفْسِهِ وَالْقَاضِي نُصِّبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ وكان ذلك شَهَادَةً على خَصْمٍ. وَأَمَّا الاستيلاد فَهُوَ سَبَبٌ لِتَحْرِيمِ الْفَرْجِ والدعاوي في الْجُمْلَةِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ حَقِيقَةَ الْحُرِّيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَالْحُرْمَةُ لَازِمَةٌ لِلْحُرِّيَّةِ حتى لَا يُبَاحَ لها مَسُّ الْمَوْلَى وَغَسْلُهُ بِسَبَبِ الْحُرِّيَّةِ فَكَانَ الاستيلاد في الْحَالِ سَبَبًا لِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ فَكَانَ سَبَبًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى في الْحَالِ فَيُقَامُ السَّبَبُ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ في حَقِّ التَّحْرِيمِ احْتِيَاطًا وهو الْجَوَابُ عن الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَالطَّلَاقِ الْمُضَافِ إلَى الْحُرِّيَّةِ ثَمَّةَ ثَبَتَ في الْجُمْلَةِ أَيْضًا عِنْدَ وُجُودِ زَوَالِ الْحِلِّ فَيُعْتَبَرُ السَّبَبُ قَائِمًا مَقَامَ الْمُسَبَّبِ في حَقِّ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا وَأَمَّا الِابْتِدَاءُ فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أن عَدَالَةَ الشَّاهِدِ دَلَالَةُ صِدْقِهِ في شَهَادَتِهِ من حَيْثُ الظَّاهِرُ فَيَثْبُتُ الْمَشْهُودُ بِهِ ظَاهِرًا وَالْقَاضِي مُكَلَّفٌ بِالْقَضَاءِ بِالظَّاهِرِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُشْتَرَطَ الدَّعْوَى لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ أَصْلًا وَلِهَذَا لم تُشْرَطْ في عِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْمَرْأَةِ وَأَسْباب الْحُدُودِ إلَّا أَنَّا عَرَفْنَا اشْتِرَاطَهَا فِيمَا وَرَاءَ الْعِتْقِ من حُقُوقِ الْعِبَادِ بِالْإِجْمَاعِ فَيَقْتَصِرُ على مَوْرِدِ الْإِجْمَاعِ. وَجْهُ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ أن خَبَرَ من ليس بِمَعْصُومٍ عن الْكَذِبِ مُحْتَمِلٌ لِلْكَذِبِ فَلَا يُفِيدُ الْعِلْمُ لِلْقَاضِي بِالْمَشْهُودِ بِهِ وَالْأَصْلُ أَنْ لَا يَجُوزَ الْقَضَاءُ بِمَا لَا عِلْمَ لِلْقَاضِي بِهِ وَبِمَا ليس بِثَابِتٍ قَطْعًا لِقَوْلِهِ عز وجل: {وَلَا تَقْفُ ما ليس لك بِهِ عِلْمٌ} وأنه اسْمٌ لِلثَّابِتِ قَطْعًا وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يا دَاوُد إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً في الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بين الناس بِالْحَقِّ} وَالْحَقُّ اسْمٌ لِلْكَائِنِ الثَّابِتِ وَلَا ثُبُوتَ مع احْتِمَالِ الْعَدَمِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ الْقَضَاءُ بِهِ أَصْلًا إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ جاء بِالْجَوَازِ لِحَاجَةِ الْعِبَادِ إلَى دَفْعِ الْفَسَادِ وهو الْمُنَازَعَةُ الْقَائِمَةُ بَيْنَهُمَا بِالدَّعْوَى وَالْمُنَازَعَةُ سَبَبُ الْفَسَادِ أو لِدَفْعِ فَسَادِ الزِّنَا كما في حَدِّ الزِّنَا وَعِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْمَرْأَةِ أو لِدَفْعِ فَسَادِ السُّكْرِ في حَدِّ الشَّارِبِ وَالسُّكْرِ فَأَلْحَقَ الْمُحْتَمَلَ بِالْمُتَيَقَّنِ أو اكْتَفَى بِظَاهِرِ الصِّدْقِ مع الِاحْتِمَالِ دَفْعًا لِلْفَسَادِ فَبَقِيَ الْحُكْمُ فِيمَا وَرَاءَ ذلك على الْأَصْلِ وَعَلَى هذا شَاهِدَانِ شَهِدَا على رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ وَالْعَبْدَانِ يَدَّعِيَانِ الْعِتْقَ أو يَدَّعِيَهُ أَحَدُهُمَا فَإِنْ شَهِدَا في حَالِ حَيَاةِ الْمَوْلَى وَصِحَّتِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الدَّعْوَى شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ على عِتْقِ الْعَبْدِ عِنْدَهُ والمدعى مجول [مجهول] فَجَهَالَةُ المدعى مَنَعَتْهُ صِحَّةَ الدعوة [الدعوى] فَامْتَنَعَ قَبُولُ الشَّهَادَةِ وَعِنْدَهُمَا الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَجَهَالَةُ الْمُدَّعِي لَا تَكُونُ أَقَلَّ من عَدَمِ الدَّعْوَى فَلَا تَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ فَتُقْبَلُ وَيُجْبَرُ على الْبَيَانِ وَإِنْ شَهِدَا بَعْدَ وَفَاتِهِ على أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا في حَالِ صِحَّتِهِ فَهُوَ على هذا الْخِلَافِ وَإِنْ شَهِدَا على ذلك وهو مَرِيضٌ فَمَاتَ أو شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِهِ على أَنَّهُ قال ذلك في الْمَرَضِ لَا تُقْبَلُ في قِيَاسِ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وفي الِاسْتِحْسَانِ تُقْبَلُ وَلَا خِلَافَ في أيهما [أنهما] إذَا شَهِدَا على أَنَّهُ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ تُقْبَلُ وَيُخَيَّرُ فَيَخْتَارُ طَلَاقَ إحْدَاهُمَا. وَجْهُ قِيَاسِ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ ما ذَكَرْنَا أَنَّ الدَّعْوَى شَرْطٌ وَالْمُدَّعِي مَجْهُولٌ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ هَهُنَا مَعْلُومٌ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ في مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ وَالْخَصْمُ في تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ هو الموصى فَكَانَ الْمَيِّتُ الْمَشْهُودُ له لِوُقُوعِ الشَّهَادَةِ له فَكَانَ المدعى مَعْلُومًا فَجَازَتْ الشَّهَادَةُ له بِخِلَافِ حَالِ الصِّحَّةِ فإن الشَّهَادَةَ هُنَاكَ وَقَعَتْ لِأَحَدِ العيدين [العبدين] فَكَانَ الْمَشْهُودُ له مَجْهُولًا فلم تُجْزِ الشَّهَادَةُ وَلِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا مَاتَ فَقَدْ شَاعَ الْعِتْقُ فِيهِمَا جميعا فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَصْمًا في حَقِّ نَفْسِهِ مُتَعَيِّنًا فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِخِلَافِ حَالِ الْحَيَاةِ وَالصِّحَّةِ. وَكَذَلِكَ جَوَابُ أبي حَنِيفَةَ في هذه الْمَسْأَلَةِ في الْأَمَتَيْنِ بِأَنْ شهد [شهدا] بِأَنَّهُ أَعْتَقَ إحْدَى أَمَتَيْهِ أنها لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ انْعِدَامَ اشْتِرَاطِ الدَّعْوَى بِقَبُولِ الشَّهَادَةِ على عِتْقِ الْأَمَةِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِحُرْمَةِ الْفَرْجِ وَهِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْفَرْجِ بِالْعِتْقِ الْمُبْهَمِ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ فَكَانَ الْجَوَابُ في الْعَبْدَيْنِ وَالْأَمَتَيْنِ هَهُنَا عِنْدَهُ على السَّوَاءِ بِخِلَافِ ما إذَا شَهِدَا على أَنَّهُ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ أنها تُقْبَلُ لِأَنَّهَا قَامَتْ على سَبَبِ حُرْمَةِ الْفَرْجِ وَالدَّعْوَى فيها لَيْسَتْ بِشَرْطٍ. وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فُلَانًا لم تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ الْمُدَّعَى عليه مَجْهُولٌ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدًا له وَسَمَّاهُ وَنَسِينَاهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الشَّاهِدَ إذَا نَسِيَ ما تَحَمَّلَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ سَالِمًا وَلَا يَعْرِفَانِ سَالِمًا وَلَهُ عَبْدٌ اسْمُهُ سَالِمٌ ليس له غَيْرُهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَلَوْ شَهِدَا بِهِ في الْبَيْعِ لَا تُقْبَلُ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ أَصْلًا وَالْعِتْقُ يَحْتَمِلُ ضَرْبًا من الْجَهَالَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ وَيَجُوزُ إعْتَاقُ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ في الشَّرْطِ الذي عَلَّقَ بِهِ الْعِتْقَ لم تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِعَقْدَيْنِ كُلُّ عَقْدٍ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ ولم يُوجَدْ وَالْأَصْلُ فيه أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَتْ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ فَإِنْ كان ذلك في دَعْوَى الْعِتْقِ لَا تُقْبَلُ أَصْلًا وَإِنْ كان في دَعْوَى الْمَالِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَوِفَاقٌ وَاخْتِلَافٌ نَذْكُرُ ذلك كُلَّهُ في كتاب الشَّهَادَاتِ إن شاء الله تعالى وَاَللَّهُ عز وجل أعلم.
الْكَلَامُ في هذا الْكتاب يَقَعُ فِيمَا ذَكَرْنَا في الْعِتْقِ وهو بَيَانُ رُكْنِ التَّدْبِيرِ وَبَيَانُ شَرَائِطِ الرُّكْنِ وَبَيَانُ صِفَةِ التَّدْبِيرِ وَبَيَانُ حُكْمِ التَّدْبِيرِ وَوَقْتِ ثُبُوتِ حُكْمِهِ وَبَيَانُ ما يَظْهَرُ بِهِ التَّدْبِيرُ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَرُكْنُ التَّدْبِيرِ هو اللَّفْظُ الدَّالُ على مَعْنَى التَّدْبِيرِ لُغَةً وهو إثْبَاتُ الْعِتْقِ عن دُبُرٍ ثُمَّ إثْبَاتُ الْعِتْقِ عن دُبُرٍ نَوْعَانِ مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ أَمَّا الْمُطْلَقُ فَهُوَ أَنْ يُعَلِّقَ الرَّجُلُ عِتْقَ عَبْدِهِ بِمَوْتِهِ مُطْلَقًا وَلَهُ أَلْفَاظٌ قد تَكُونُ بِصَرِيحِ اللَّفْظِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أنت مُدَبَّرٌ أو دَبَّرْتُك وقد تَكُونُ بِلَفْظِ التَّحْرِيرِ وَالْإِعْتَاقِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ أنت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أو حَرَّرْتُكَ بَعْدَ موتى أو أنت مُعْتَقٌ أو عَتِيقٌ بَعْدَ مَوْتِي أو أَعْتَقْتُك بَعْدَ مَوْتِي وَكَذَا إذَا قال أنت حُرٌّ عِنْدَ مَوْتِي أو مع مَوْتِي أو في مَوْتِي هو بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ بَعْدَ مَوْتِي لِأَنَّ عِنْدَ كَلِمَةُ حَضْرَةٍ فَعِنْدَ الْمَوْتِ يَسْتَدْعِي وُجُودَ الْمَوْتِ فَيَكُونَ مَوْتُهُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ وَجَمْعٌ لِلْمُقَارَنَةِ وَمُقَارَنَةُ الشَّيْءِ يَقْتَضِي وُجُودَهُمَا وفي [و] الظرف فإذا دخل ما لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا يَجْعَلُ شَرْطًا كما إذَا قال لِعَبْدِهِ أنت حُرٌّ في دُخُولِكَ الدَّارَ وقد يَكُونُ بِلَفْظِ الْيَمِينِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ أو يَقُولَ إذَا مِتُّ أو مَتَى مِتُّ أو مَتَى ما مِتُّ أو إنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ أو مَتَى حَدَثَ بِي لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِالْمَوْتِ مُطْلَقًا وَكَذَا إذَا ذَكَرَ في هذه الْأَلْفَاظِ مَكَانَ الْمَوْتِ الْوَفَاةَ أو الْهَلَاكَ. وَلَوْ قال إنْ مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ لم يَكُنْ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ لم يُوجَدْ تَعْلِيقُ عِتْقِ عَبْدِهِ بِمَوْتِهِ فلم يَكُنْ هذا تَدْبِيرًا بَلْ كان تَعْلِيقًا بِشَرْطٍ مُطْلَقٍ كَالتَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ من دُخُولِ الدَّارِ وَكَلَامِ زَيْدٍ وَغَيْرِ ذلك وقال أبو يُوسُفَ لو قال أنت حُرٌّ إنْ مِتُّ أو قُتِلْتُ فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ وقال زُفَرُ هو مُدَبَّرٌ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالْمَوْتِ وَأَنَّهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ وَلِأَبِي يُوسُفَ إنْ عَلَّقَ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا كما لو قال إنْ مِتّ أو مَاتَ زَيْدٌ وَلَوْ قال إنْ مِتّ وَفُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ أو قال أنت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَمَوْتِ فُلَانٍ أو قال بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ وَمَوْتِي لم يَكُنْ مُدَبَّرًا إلَّا أَنْ يَمُوتَ فُلَانٌ قَبْلَهُ فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ مُدَبَّرًا وَإِنَّمَا لَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا لِلْحَالِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَمُوتَ الْمَوْلَى أَوَّلًا فَلَا يُعْتَقُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِشَرْطَيْنِ بِمَوْتِهِ وَمَوْتِ فُلَانٍ فَلَا يُعْتَقُ بِمَوْتِهِ وَحْدَهُ وَيَصِيرُ الْعَبْدُ مِيرَاثًا فَبَعْدَ ذلك إنْ مَاتَ فُلَانٌ وَوُجِدَ الشَّرْطُ الْآخَرُ فَإِنَّمَا وُجِدَ بَعْدَمَا انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَى الْوَرَثَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمُوتَ فُلَانٌ فَيَصِيرُ مُدَبَّرًا وَيُعْتَقَ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَكَانَ هذا كَالتَّدْبِيرِ الْمُقَيَّدِ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ مَاتَ الْمَوْلَى أَوَّلًا فَقَدْ صَارَ الْعَبْدُ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ لِمَا بَيَّنَّا. وإما مَاتَ فُلَانٌ أَوَّلًا فَقَدْ صَارَ مُدَبَّرًا لِأَنَّ التَّدْبِيرَ صَارَ مُطْلَقًا وَصَارَ الْعَبْدُ بِحَالِهِ يُعْتَقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى ثُمَّ اسْتَشْهَدَ في الْأَصْلِ فقال أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو قال أنت حُرٌّ بَعْدَ كَلَامِك فُلَانًا وَبَعْدَ مَوْتِي فَكَلَّمَ فُلَانًا كان مُدَبَّرًا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ إذَا كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَكَلَّمَهُ صَارَ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ بَعْدَ الْكَلَامِ صَارَ التَّدْبِيرُ مُطْلَقًا فَكَذَا هذا وقد يَكُونُ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ وهو أَنْ يُوصِيَ لِعَبْدِهِ بِنَفْسِهِ أو بِرَقَبَتِهِ أو بِعِتْقِهِ أو يُوصِيَهُ بِوَصِيَّةٍ يَسْتَحِقُّ من جُمْلَتِهَا رَقَبَتَهُ أو بَعْضَهَا نَحْوُ أَنْ يَقُولَ له أَوْصَيْتُك بِنَفْسِك أو بِرَقَبَتِك أو بِعِتْقِك أو كل ما يُعَبَّرُ بِهِ عن جُمْلَةِ الْبَدَنِ لِأَنَّ الموصى يَزِيلُ مِلْكُهُ بِالْوَصِيَّةِ ثُمَّ إنْ كان الْمُوصَى له مِمَّنْ يَحْتَمِلُ الْمِلْكَ يَزُولُ الْمِلْكُ إلَيْهِ وَإِلَّا فَيَزُولُ لَا إلَى أَحَدٍ وَالْحُرُّ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكَ نَفْسَهُ لِمَا فيه من الِاسْتِحَالَةِ فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ له بِنَفْسِهِ إزَالَةَ الْمِلْكِ لَا إلَى أَحَدٍ وَهَذَا مَعْنَى الاعتاق فَهَذَا الطَّرِيقُ جَعَلَ بَيْعَ نَفْسِ الْعَبْدِ وَهِبَتَهَا له إعْتَاقًا كَذَا هذا فَيَصِيرُ في مَعْنَى قَوْلِهِ أنت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَكَذَا لو قال له أَوْصَيْت لَك بِثُلُثِ مَالِي لِأَنَّ رَقَبَتَهُ من جُمْلَةِ ماله فَصَارَ موصي له بِثُلُثِهَا وون هذا إزَالَةُ الْمِلْكِ من الثُّلُثِ لَا إلَى أَحَدٍ فَيَكُونُ إعْتَاقًا. وروي بِشْرٌ عن أبي يُوسُفَ فيمن أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِسَهْمٍ من مَالِهِ أَنَّهُ يُعْتَقُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ أَوْصَى له بِجُزْءٍ من مَالِهِ لم يُعْتَقْ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ السَّهْمَ عِبَارَةٌ عن السُّدُسِ فإذا أَوْصَى له بِسُدُسِ مَالِهِ فَقَدْ دخل سُدُسُ رَقَبَتِهِ في الْوَصِيَّةِ فَأَمَّا اسْمُ الْجُزْءِ فَلَا يَتَضَمَّنُ الْوَصِيَّةَ بِالرَّقَبَةِ لَا مَحَالَةَ فَكَانَ الْخِيَارُ فيه إلَى الْوَرَثَةِ فَلَهُمْ التَّعْيِينُ فِيمَا شَاءَ وَاَللَّهُ عز وجل أعلم. وَأَمَّا الْمُقَيَّدُ فَهُوَ أَنْ يُعَلِّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِمَوْتِهِ مَوْصُوفًا بِصِفَةٍ أو بِمَوْتِهِ وَشَرْطٌ آخَرُ نحو أَنْ يَقُولَ إنْ مِتّ من مَرَضِي هذا أو في سَفَرِي هذا فَأَنْتَ حُرٌّ أو يقول إنْ قُتِلْت فَأَنْتَ حُرٌّ أو إنْ غَرِقْت فَأَنْتَ حُرٌّ أو إنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ من مَرَضِي هذا أو من سَفَرِي هذا فَأَنْتَ حُرٌّ وَنَحْوُ ذلك مِمَّا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ على تِلْكَ الصِّفَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونُ وَكَذَا إذَا ذَكَرَ مع مَوْتِهِ شَرْطًا آخَرَ يَحْتَمِلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ فَهُوَ مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ وَحُكْمُهُ يُذْكَرُ في مَوْضِعه إن شاء الله تعالى. وَرَوَى الْحَسَنُ عن أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لو قال إذَا مِتُّ وَدُفِنْتُ أو غُسِّلْتُ أو كُفِّنْتُ فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ يُرِيدُ بِهِ في حَقِّ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّدْبِيرِ في حَالِ حَيَاةِ الْمُدَبِّرِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِالْمَوْتِ وَبِمَعْنًى آخَرَ فلم يَكُنْ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا فَإِنْ مَاتَ وهو في مِلْكِهِ اسْتَحْسَنْت أَنْ يُعْتَقَ من الثُّلُثِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُعْتَقُ كما لو قال إذَا مِتّ فَدَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَاتَ الْمَوْلَى فَدَخَلَ الْعَبْدُ الدَّارَ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ كَذَا هذا لَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ وقال يُعْتَقُ من الثُّلُثِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِالْمَوْتِ وَبِمَا هو من عَلَائِقِهِ فَصَارَ كما لو عَلَّقَهُ بِمَوْتِ نِصْفِهِ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إذَا مِتُّ فَدَخَلْت الدَّارَ لِأَنَّ دُخُولَ الدَّارِ لَا تَعَلُّقَ له بِالْمَوْتِ فلم يَكُنْ تعلقا [تعليقا] بِمَوْتِ نِصْفِهِ فلم يَكُنْ تَدْبِيرًا أَصْلًا بَلْ كان يَمِينًا مُطْلَقًا فَيَبْطُلُ بِالْمَوْتِ كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ ثُمَّ التَّدْبِيرُ قد يَكُونُ مُطْلَقًا وقد يَكُونُ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ أَمَّا الْمُطْلَقُ فما ذَكَرْنَا وَأَمَّا الْمُعَلَّقُ فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أو إنْ كَلَّمْت فُلَانًا أو إذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ إثْبَاتُ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ وَحَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ فَكَذَا في حَقِّ التَّدْبِيرِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ في الْأَصْلِ إذَا قال أنت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إنْ شِئْت فَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ إنْ شِئْت السَّاعَةَ فَشَاءَ الْعَبْدُ في سَاعَتِهِ تِلْكَ صَارَ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ بِشَرْطٍ وهو الْمَشِيئَةُ وقد وُجِدَ الشَّرْطُ فَيَصِيرُ مُدَبَّرًا كما إذَا قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ وَإِنْ عَنَى بِهِ مَشِيئَتَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ مَشِيئَةٌ حتى بموت [يموت] الْمَوْلَى لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِشَرْطٍ يُوجَدُ بَعْدَ الْمَوْتِ فإذا وُجِدَ قَبْلَهُ لَا يُعْتَبَرُ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى فَشَاءَ عِنْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ حُرٌّ من ثُلُثِهِ كَذَا ذَكَرَهُ في الْأَصْلِ. وَذَكَرَ الْحَاكِمُ في مُخْتَصَرِهِ أَنَّ الْمُرَادَ منه أَنْ يُعْتِقَهُ الْوَصِيُّ أو الْوَارِثُ لِأَنَّ الْعِتْقَ هَهُنَا لم يَتَعَلَّقْ بِالْمَوْتِ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِهِ وَبِأَمْرٍ آخَرَ بَعْدَهُ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْإِعْتَاقِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُعْتَقَ ما لم يُعْتَقْ وَكَذَا ذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ حتى يُعْتِقَهُ الْوَرَثَةُ لِمَا قُلْنَا وَرَوَى ابن سِمَاعَةَ وَعِيسَى بن أَبَانَ وأبو سُلَيْمَانَ عن مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قال لِرَجُلٍ إذَا مِتّ فَأَعْتِقْ عَبْدِي هذا إنْ شِئْت أو قال إذَا مِتّ فَأَمْرُ عَبْدِي هذا بِيَدِك ثُمَّ مَاتَ فَشَاءَ الرَّجُلُ عِتْقَهُ في الْمَجْلِسِ أو بَعْدَ الْمَجْلِسِ فَلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ لِأَنَّ هذا وَصِيَّةٌ بِالْإِعْتَاقِ وَالْوَصَايَا لَا يَتَقَيَّدُ الْقَبُولُ فيها بِالْمَجْلِسِ وَكَذَا إنْ قال عَبْدِي هذا حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إنْ شِئْت فَشَاءَ بَعْدَ مَوْتِهِ في الْمَجْلِسِ أو بَعْدَ الْمَجْلِسِ فَقَدْ وجدت [وجبت] الْوَصِيَّةُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا يَتَقَيَّدُ قَبُولُهَا بِالْمَجْلِسِ وَلَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ حتى يُعْتِقَهُ الْوَرَثَةُ أو الْوَصِيُّ أو الْقَاضِي وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ الْحَاكِمِ وَالْجَصَّاصِ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْن الْمَسْأَلَتَيْنِ سِوَى أَنَّ هُنَاكَ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ الْعَبْدِ وَهَهُنَا عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ الأجنبى. وَكَذَلِكَ لو قال لِعَبْدِهِ أنت حُرٌّ إنْ شِئْت بَعْدَ مَوْتِي فَمَاتَ الْمَوْلَى وَقَامَ الْعَبْدُ من مَجْلِسِهِ الذي عَلِمَ فيه بِمَوْتِ الْمَوْلَى أو أَخَذَ في عَمَلٍ آخَرَ فإن ذلك لَا يُبْطِلُ شيئا مِمَّا جَعَلَهُ إلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هذا وَصِيَّةٌ بِالْإِعْتَاقِ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ وَالْوَصِيَّةُ لَا يَقِفُ قَبُولُهَا على الْمَجْلِسِ وَأَمَّا الْمُضَافُ إلَى وَقْتٍ فَنَحْوُ أن أَنْ يَقُولَ أنت مُدَبَّرٌ غَدًا أو رَأْسَ شَهْرِ كَذَا فإذا جاء الْوَقْتُ صَارَ مُدَبَّرًا لِأَنَّ التَّدْبِيرَ إثْبَاتُ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ فَيَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ كَإِثْبَاتِ حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ وَلِهَذَا احْتَمَلَ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ كَذَا الْإِضَافَةُ وقد رَوَى بِشْرٌ عن أبي يُوسُفَ فِيمَنْ قال لِعَبْدِهِ أنت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ وَلَا يُعْتَقُ إلَّا أَنْ يُعْتَقَ وروي ابن سِمَاعَةَ عن مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قال الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو جَنَى قبل الشَّهْرِ دفع [دفعه] بِالْجِنَايَةِ وَلَوْ لَحِقَهُ دَيْنٌ بِيعَ فيه. وَوَجْهُ الْقِيَاسِ ما ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَمَّا عَلَّقَ الْعِتْقَ بِمُضِيِّ شَهْرٍ بَعْدَ الْمَوْتِ فَكَمَا مَاتَ انْتَقَلَ الْمِلْكُ فيه إلَى الْوَرَثَةِ ولم يَبْقَ إلَّا مُضِيُّ الزَّمَانِ وهو الشَّهْرُ فَلَا يُحْتَمَلُ ثُبُوتُ الْعِتْقِ بِهِ فَيَبْطُلَ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا فَجَعَلُوهُ وَصِيَّةً بالاعتاق لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْعَاقِلِ يُحْمَلُ على الصِّحَّةِ ما أَمْكَنَ وَأَمْكَنَ حَمْلُهُ على الْوَصِيَّةِ بِالْإِعْتَاقِ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُحْمَلُ عليها وَلَوْ قال أنت حُرٌّ قبل مَوْتِي بِشَهْرٍ فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ لِأَنَّهُ ما أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى الْمَوْتِ أَصْلًا بَلْ أَضَافَهُ إلَى زَمَانٍ مَوْصُوفٍ بِأَنَّهُ قبل مَوْتِهِ بِشَهْرٍ من وَقْتِ التَّكَلُّمِ وَهَذَا أَيْضًا يَحْتَمِلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ بجواز [لجواز] أَنْ يَمُوتَ قبل تَمَامِ الشَّهْرِ من وَقْت الْكَلَامِ فَلَا يَكُونُ مُدَبَّرًا لِلْحَالِ وإذا مضي شَهْرٌ قبل مَوْتِ الْمَوْلَى وهو في مِلْكِهِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ في مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ مُدَبَّرٌ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ليس بِمُدَبَّرٍ وَعَلَّلَ الْقُدُورِيُّ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمَّا مَضَى شَهْرٌ صَارَ كَأَنَّهُ قال عِنْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ أنت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي. وَذَكَرَ في الْجَامِعِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا وَيَجُوزُ بَيْعُهُ ولم يذكر الْخِلَافَ وهو الصَّحِيحُ أَمَّا على قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْمُدَبَّرَ اسْمٌ لِمَنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى وَهَهُنَا ما أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى الْمَوْتِ أَصْلًا بَلْ أَضَافَهُ إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ وَكَذَا حُكْمُهُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ يَثْبُتُ من أَوَّلِ الشَّهْرِ بِطَرِيقِ الظُّهُورِ أو يَسْتَنِدُ إلَيْهِ وَالثَّابِتُ بِالتَّدْبِيرِ يَقْتَصِرُ على حَالَةِ الْمَوْتِ وَلَا يَسْتَنِدُ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ ما ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ من التَّعْلِيلِ لِأَبِي حَنِيفَةَ غَيْرُ سَدِيدٍ وَأَمَّا على قَوْلِهِمَا فَقَدْ ذُكِرَ في النَّوَادِرِ أَنَّ عِنْدَهُمَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا مَضَى الشَّهْرُ ظَهَرَ أَنَّ عِتْقَهُ تَعَلَّقَ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى فَصَارَ كَأَنَّهُ قال عِنْدَ مُضِيِّهِ أنت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَصَارَ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا. وَأَمَّا على ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْهُمَا فَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ ما عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالْمَوْتِ بَلْ بِشَهْرٍ وَمُتَّصِلٍ بِالْمَوْتِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قال أنت حُرٌّ قبل مَوْتِي بِسَاعَةٍ وَلَوْ قال يوم أَمُوتُ فَأَنْتَ حُرٌّ أو أنت حُرٌّ يوم أَمُوتُ فَإِنْ نَوَى بِهِ النَّهَارَ دُونَ اللَّيْلِ لم يَكُنْ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ إذْ الْيَوْمُ اسْمٌ لِبَيَاضِ النَّهَارِ لُغَةً وَيَجُوزُ أَنْ يَمُوتَ بِاللَّيْلِ لَا بِالنَّهَارِ فَلَا يَكُونُ هذا مُدَبَّرًا مُطْلَقًا وَإِنْ عَنَى بِهِ الْوَقْتَ الْمُبْهَمَ فَهُوَ مُدَبَّرٌ لِأَنَّ الْيَوْمَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْوَقْتُ الْمُطْلَقُ قال اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} وَمَنْ وَلَّى بِاللَّيْلِ لَحِقَهُ الْوَعِيدُ الْمَذْكُورُ وَرَوَى الْحَسَنُ عن أبي حَنِيفَةَ فِيمَنْ قال إنْ مِتّ إلَى سَنَةٍ أو إلَى عَشْرِ سِنِينَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِمَوْتٍ بِصِفَةٍ تَحْتَمِلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ فَإِنْ قال إنْ مِتّ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ وَمِثْلُهُ لَا يَعِيشُ إلَى ذلك الْوَقْتِ في الْغَالِبِ فَهُوَ مُدَبَّرٌ لِأَنَّ مَوْتَهُ في تِلْكَ الْمُدَّةِ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ. وَرَوَى هِشَامٌ عن مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قال أنت مُدَبَّرٌ بَعْدَ مَوْتِي فَهُوَ مُدَبَّرٌ السَّاعَةَ لِأَنَّهُ أَضَافَ التَّدْبِيرَ إلَى ما بَعْدَ الْمَوْتِ وَالتَّدْبِيرُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُتَصَوَّرُ فَيَلْغُو قَوْلُهُ بَعْدَ مَوْتِي فَيَبْقَى قَوْلُهُ أنت مُدَبَّرٌ أو يُجْعَلَ قَوْلُهُ أنت مُدَبَّرٌ أَيْ أنت حُرٌّ فَيَصِيرَ كَأَنَّهُ قال أنت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَلَوْ قال أنت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي على أَلْفِ دِرْهَمٍ فَالْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَذَا ذُكِرَ في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عن أن أبي يُوسُفَ أَنَّ الْقَبُولَ في هذا على حَالَةِ الْحَيَاةِ لَا بَعْدَ الْمَوْتِ فإذا قَبِلَ في الْمَجْلِسِ صَحَّ التَّدْبِيرُ وَصَارَ مُدَبَّرًا وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ وإذا مَاتَ عَتَقَ وَلَا شَيْءَ عليه. وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ هذا إيجَابُ الْعِتْقِ في حال [الحال] بِعِوَضٍ إلَّا أَنَّ الْعِتْقَ يَتَأَخَّرُ إلَى ما بَعْدَ الْمَوْتِ فَكَانَ الْقَبُولُ في الْمَجْلِسِ كما إذَا قال له إنْ شِئْت فَأَنْتَ حُرٌّ رَأْسَ الشَّهْرِ تُعْتَبَرُ الْمَشِيئَةُ في الْمَجْلِسِ لِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ رَأْسَ الشَّهْرِ كَذَا هَهُنَا فإذا قَبِلَ في الْمَجْلِسِ صَحَّ التَّدْبِيرُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى مُطْلَقًا فَلَا يَجِبُ عليه لِلْمَوْلَى دَيْنٌ وإذا مَاتَ عَتَقَ لِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ وهو الْمَوْتُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ لِأَنَّهُ لم يَلْزَمْهُ وَقْتُ الْقَبُولِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَقْتُ الْعِتْقِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ أَضَافَ الْإِيجَابَ إلَى ما بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَكُونُ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ إذْ الْقَبُولُ بَعْدَ الْإِيجَابِ يَكُونُ وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ بِدَلِيلِ اعْتِبَارِهِ من الثُّلُثِ وَقَبُولُ الْوَصَايَا بَعْدَ الْمَوْتِ وإذا كان الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُعْتَبَرُ قَبُولُهُ في حَالِ الْحَيَاةِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ الْمَوْتِ فإذا قَبِلَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهَلْ يُعْتَقُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِنَفْسِ الْقَبُولِ أو لَا يُعْتَقُ إلَّا بِإِعْتَاقِ الْوَارِثِ أو الْوَصِيِّ أو القاضي لم يُذْكَرْ هذا في الْجَامِعِ الصَّغِير. وَلَوْ قال أنت مُدَبَّرٌ على أَلْفٍ فَقَبِلَ فَهُوَ مُدَبَّرٌ وَالْمَالُ سَاقِطٌ كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ بِشَرْطٍ وهو قَبُولُ الْمَالِ فإذا قَبِلَ صَارَ مُدَبَّرًا وَالْمُدَبَّرُ على مِلْكِ الْمَوْلَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَهُ دَيْنٌ لِمَوْلَاهُ فَسَقَطَ وَرَوَى بِشْرٌ عن أبي يُوسُفَ في نَوَادِرِهِ فِيمَنْ قال لِعَبْدِهِ أنت مُدَبَّرٌ على أَلْفٍ قال أبو حَنِيفَةَ ليس له الْقَبُولُ السَّاعَةَ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبِلَ أو لم يَقْبَلْ فَإِنْ مَاتَ وهو في مِلْكِهِ فقال قد قَبِلْتُ أَدَّى الْأَلْفَ وَعَتَقَ وهو رِوَايَةُ عَمْرٍو عن مُحَمَّدٍ وقال أبو يُوسُفَ إنْ لم يَقْبَلْ حتى مَاتَ ليس له أَنْ يَقْبَلَ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَدَّى الْأَلْفَ وَعَتَقَ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْعِتْقِ من غَيْرِ إعْتَاقِ الْوَارِثِ أو الْوَصِيِّ. وَذَكَرَ الْقَاضِي في شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ إذَا قال إذَا مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ على أَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ فإذا قَبِلَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يُعْتَقُ بِالْقَبُولِ حتى تُعْتِقَهُ الْوَرَثَةُ أو الْوَصِيُّ لِأَنَّ الْعِتْقَ قد تَأَخَّرَ وُقُوعُهُ عن الْمَوْتِ وَكُلُّ عِتْقٍ تَأَخَّرَ وُقُوعُهُ عن الْمَوْتِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِيقَاعٍ من الْوَارِثِ أو الْوَصِيِّ لِأَنَّهُ يَكُونُ وَصِيَّةً بِالْإِعْتَاقِ فَلَا يَثْبُتُ ما لم يُوجَدْ الْإِعْتَاقُ كما لو قال أنت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ أو بِشَهْرٍ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ ما لم يُعْتِقْهُ الْوَارِثُ أو الْوَصِيُّ بَعْدَ مُضِيِّ الْيَوْمِ أو الشَّهْرِ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَهُنَا ثُمَّ في الْوَصِيَّةِ بِالْإِعْتَاقِ بملك [يملك] الْوَارِثُ الْإِعْتَاقَ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا حتى لو قال له إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَدَخَلَ يُعْتَقُ كما لو نَجَّزَ الْعِتْقَ وَالْوَصِيُّ يَمْلِكُ التَّنْجِيزَ لَا التَّعْلِيقَ حتى لو عَلَّقَ بِالدُّخُولِ فَدَخَلَ لَا يُعْتَقُ وَلِأَنَّ الْوَارِثَ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْخِلَافَةِ عن الْمَيِّتِ وَيَقُومُ مَقَامَهُ كَأَنَّهُ هو وَالْوَصِيُّ يَتَصَرَّفُ بِالْأَمْرِ فَلَا يَتَعَدَّى تَصَرُّفُهُ مَوْضِعَ الْأَمْرِ كَالْوَكِيلِ وَالْوَكِيلُ بِالْإِعْتَاقِ لَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْوَصِيُّ أو الْوَارِثُ عن كَفَّارَةٍ لَزِمَتْهُ لَا يَسْقُطُ عنه لِأَنَّهُ يَقَعُ عن الْمَيِّتِ وَالْوَلَاءُ عن الْمَيِّتِ لَا عن الْوَارِثِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ منه من حَيْثُ الْمَعْنَى. وَلَوْ قال أنت حُرٌّ على أَلْفِ دِرْهَمٍ بَعْدَ مَوْتِي فَالْقَبُولُ في هذا في الْحَيَاةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقَبُولَ في الحالين [الحالتين] شَرْطًا لِثُبُوتِ الْعِتْقِ بَعْدَ الْمَوْتِ فإذا قَبِلَ صَارَ مُدَبَّرًا وَلَا يَجِبُ الْمَالُ لِمَا قُلْنَا فإذا مَاتَ عَتَقَ وَلَا شَيْءَ عليه وَهَذَا حُجَّةُ أبي يُوسُفَ في الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَاَللَّهُ عز وجل الْمُوَفِّقُ. وَلَوْ قال كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فما في مِلْكِهِ صَارَ مُدَبَّرًا وما يَسْتَفِيدُهُ يُعْتَقُ من الثُّلُثِ بِغَيْرِ تَدْبِيرٍ وَهَذَا قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وقال أبو يُوسُفَ لَا يَدْخُلُ في هذا الْكَلَامِ ما يَسْتَفِيدُهُ وَجْهُ قَوْلِهِ أن الْمَمْلُوكَ لِلْحَالِ مُرَادٌ من هذا الْإِيجَابِ فَلَا يَكُونُ ما يَسْتَفِيدُهُ مُرَادًا لِأَنَّ الْحَالَ مع الِاسْتِقْبَالِ مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ وَاللَّفْظُ الْوَاحِدُ لَا يَشْتَمِلُ على مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَلِهَذَا لم يَدْخُلْ الْمُسْتَفَادُ في هذا في الْإِعْتَاقِ الْبَاتِّ كَذَا في التَّدْبِيرِ وَلَهُمَا أَنَّ التَّدْبِيرَ في مَعْنَى الْيَمِينِ وَمَعْنَى الْوَصِيَّةِ. أَمَّا مَعْنَى الْيَمِينِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ فَالْيَمِينُ إنْ كان لَا يَصْلُحُ إلَّا في الْمِلْكِ الْقَائِمِ أو مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أو سَبَبِهِ فَالْوَصِيَّةُ تَتَعَلَّقُ بِمَا في مِلْكِ الْمُوصِي وَبِمَا يُسْتَحْدَثُ الْمِلْكُ فيه فإن من أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ يَدْخُلُ فيه الْمَمْلُوكُ لِلْحَالِ وما يَسْتَفِيدُهُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ وَقَوْلُهُ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ لَا يَشْتَمِلُ على مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ قُلْنَا قد يَشْتَمِلُ كَالْكتابةِ وَالْإِعْتَاقِ على مَالٍ فَإِنَّهُمَا يَشْتَمِلَانِ على مَعْنَى الْيَمِينِ وَالْمُعَاوَضَةِ كَذَا هذا وَاَللَّهُ عز وجل أعلم.
وَأَمَّا شَرَائِطُ الرُّكْنِ فَأَنْوَاعٌ بَعْضُهَا يَعُمُّ نَوْعَيْ التَّدْبِيرِ أَعْنِي الْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ وَبَعْضُهَا يَخُصُّ أَحَدَهُمَا وهو الْمُطْلَقُ أَمَّا الذي يَعُمُّ النَّوْعَيْنِ فما ذَكَرْنَا في كتاب الْعَتَاقِ فَلَا يَصِحُّ التَّدْبِيرُ إلَّا بَعْدَ صُدُورِ رُكْنِهِ مُطْلَقًا عن الِاسْتِثْنَاءِ من أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ وَلَا يَصِحُّ إلَّا في الْمِلْكِ سَوَاءً كان مُنَجَّزًا أو مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ أو مُضَافًا إلَى وَقْتٍ أو مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أو سَبَبِ الْمِلْكِ نحو أَنْ يَقُولَ لِعَبْدٍ لَا يَمْلِكُهُ إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ أو إنْ اشترتيك [اشتريتك] فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ لأن الْتَزَمَ إثْبَاتَ حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِثْبَاتَ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ في الْحَالِ وَلَا يَثْبُتُ ذلك إلَّا بَعْدَ وُجُودِ الْمِلْكِ في الْحَالِ لِأَنَّهُ إذَا كان مَوْجُودًا لِلْحَالِ فَالظَّاهِرُ دَوَامُهُ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْوَقْتِ وإذا لم يَكُنْ مَوْجُودًا فَالظَّاهِرُ عَدَمُهُ فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْوَقْتِ وَلَا عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَحْصُلُ ما هو الْغَرَضُ من التَّدْبِيرِ أَيْضًا على ما يُذْكَرُ في بَيَانِ حُكْمِ التَّدْبِيرِ إن شاء الله تعالى. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى حتى لو عَلَّقَ بِمَوْتِ غَيْرِهِ بِأَنْ قال إنْ مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا أَصْلًا وَأَمَّا الذي يَخُصُّ أَحَدَهُمَا فَضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى فَإِنْ كان بِمَوْتٍ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ لَا يَكُونُ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا بَلْ يَكُونُ مُقَيَّدًا وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ بِمَوْتِهِ وَحْدَهُ حتى لو عَلَّقَ بِمَوْتِهِ وَشَرْطٍ آخَرَ لَا يَكُونُ ذلك تَدْبِيرًا مُطْلَقًا وقد ذَكَرْنَا الْمَسَائِلَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ فِيمَا تَقَدَّمَ.
|